تواجه تونس تحديات كبيرة في مجال إدارة النفايات وهو ما يتجلى من خلال تصنيفها المتدني في مؤشر الأداء البيئي لسنة ألفين وأربعة وعشرين حيث احتلت المرتبة ثمانية وثمانين عالميا من بين مئة وثمانين دولة ورغم تقدمها بثماني مراتب مقارنة بمؤشر ألفين واثنين وعشرين إلا أنها تراجعت عشرين نقطة عن ترتيبها في سنة ألفين وثمانية عشر عندما كانت في المركز الثامن والستين
وتعكس هذه التحديات بالأساس صعوبة التعامل مع النفايات وإعادة تدويرها حيث تنتج تونس حوالي مليونين وست مئة ألف طن من المخلفات سنويا حسب بيانات الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات لسنة ألفين وثلاثة وعشرين وتشكل النفايات العضوية أكثر من ستين بالمائة من مجموع النفايات كما تتميز بنسبة رطوبة مرتفعة تتراوح بين خمس وستين وسبعين بالمائة مما يجعلها مصدرا رئيسيا للتلوث البيئي عند طمرها حيث تؤدي إلى تلويث المياه والهواء والتربة وتطلق غاز الميثان الذي يتسبب في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري إذ تفوق قدرته على امتصاص حرارة الشمس قدرة ثاني أكسيد الكربون بأربع وثمانين مرة
في سنة ألفين وأربعة وعشرين تواصل تونس مواجهة صعوبات هيكلية في مجال إدارة النفايات فالكم الهائل من المخلفات يشكل عبئا ثقيلا على البيئة والاقتصاد وتعتبر النفايات العضوية من أكبر التحديات التي تؤدي إلى تدهور البيئة نتيجة سوء المعالجة وغياب الفرز من المصدر ويُضاف إلى ذلك ضعف التنسيق بين السلطات المحلية والمركزية وغياب استراتيجية وطنية شاملة وفعالة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة
أزمة النفايات في مدينة صفاقس التي اندلعت بعد غلق مصب القنة سنة ألفين وواحد وعشرين كشفت عمق الفجوة بين الحلول المعتمدة والاحتياجات الواقعية كما ساهمت في تأزيم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني الذي عبر عن رفضه للخيارات المركزية أحادية الجانب
من جهة أخرى يعاني المواطنون من ضعف في الوعي البيئي وعدم الإلمام الكافي بأهمية الفرز من المصدر وطرق التصرف السليم في النفايات وهو ما يعمق الأزمة ويحد من فعالية أي مشروع إصلاحي هذا إلى جانب محدودية التمويل العمومي المخصص لتحسين البنية التحتية وتطوير تقنيات المعالجة والفرز
ورغم كل هذه التحديات إلا أن قطاع إدارة النفايات يمكن أن يتحول إلى فرصة اقتصادية واعدة في تونس إذ بالإمكان استغلال النفايات العضوية لإنتاج السماد العضوي أو الطاقة الحيوية ما يساعد على خلق فرص عمل جديدة وتطوير الاقتصاد الأخضر كما أن تطوير تقنيات الفرز وإعادة التدوير من شأنه أن يدعم الصناعات المحلية ويشجع الاستثمار في الطاقات المتجددة
بالإضافة إلى ذلك فإن اعتماد نماذج شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص من شأنه تحسين مردودية إدارة النفايات وتقليل الضغط المالي على الدولة من خلال إدماج حلول مبتكرة ومستدامة
ولتحقيق تقدم فعلي في هذا القطاع يجب إدخال تغييرات جوهرية على السياسات الحالية من خلال تعزيز اللامركزية ودعم الابتكار وزيادة الشفافية في التصرف بالموارد كما أن إشراك المجتمع المحلي والمجتمع المدني في بلورة القرارات يعتبر ركيزة أساسية لضمان استدامة الإصلاحات ونجاعتها
فالنفايات في تونس لم تعد تمثل فقط مشكلة بيئية بل أصبحت فرصة حقيقية لإطلاق قطاع اقتصادي واعد قادر على دعم النمو وتحقيق التنمية المستدامة