nefzawa.net

استراتيجيات ترشيد المياه في القطاع الفلاحي: التحديات والحلول المستقبلية

تواجه تونس منذ سنوات عديدة تحديات كبيرة تتعلق بالموارد المائية حيث بلغ مخزون المياه بالسدود في تونس إلى حدود سبتمبر 2024 حوالي 22.3 بالمائة من طاقتها القصوى وهو ما يعادل 522 مليون متر مكعب مسجلا تراجعا بنسبة 13.5 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023 وفق معطيات نشرها المرصد الوطني للفلاحة ما يعكس صعوبة الوضع المائي في البلاد

وبالنظر إلى أن قطاع الفلاحة يمثل نحو 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ويشغل نسبة هامة من اليد العاملة في المناطق الريفية فإن أزمة المياه تمثل تهديدا مباشرا لهذا القطاع الحيوي خاصة وأن حوالي 80 بالمائة من الموارد المائية في تونس تُستهلك في الفلاحة ما يثير المخاوف حول استدامة هذه الموارد في المستقبل القريب

استجابة لهذا الوضع أطلقت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري خطة وطنية لترشيد استهلاك المياه في الفلاحة وقد تضمنت هذه الخطة إجراءات متعددة أبرزها تعميم استعمال التجهيزات المقتصدة للمياه على غرار أنظمة الري بالتنقيط وجمع مياه الأمطار إلى جانب تنفيذ الصيانة الوقائية للشبكات وحفر الآبار ويهدف هذا التوجه إلى تغيير سلوكيات المستهلكين خصوصا لدى الفئات الناشئة لأن ترسيخ ثقافة ترشيد الاستهلاك يُعد أقل تكلفة وأكثر استدامة من الاعتماد على حلول باهظة مثل تحلية المياه

في السياق ذاته تعمل تونس على بناء سدود جديدة وتعزيز السدود القائمة إلى جانب تحسين طرق تخزين المياه وتقليص نسب الفاقد وترشيد الطلب مع السعي إلى تنمية مصادر غير تقليدية للمياه مثل تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه المعالجة ما يساهم في تخفيف البصمة الكربونية وتقليص تكاليف الإنتاج الفلاحي

تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن معدل استهلاك المياه في تونس يبلغ حوالي 450 متر مكعب للفرد سنويا وهو ما يقل عن المعدل العالمي المقدر بـ 1000 متر مكعب ويتوقع أن ينخفض هذا المعدل أكثر في السنوات المقبلة ما لم تُتخذ إجراءات فعالة لترشيد المياه كما يواجه القطاع الفلاحي صعوبات إضافية تتمثل في الاعتماد على أنظمة ري تقليدية تغطي حوالي 60 بالمائة من الأراضي المزروعة ما يؤدي إلى هدر كبير في المياه في حين لا تتجاوز المساحة المزودة بتقنيات ري حديثة نسبة 30 بالمائة من مجموع الأراضي الفلاحية وهو ما يعيق جهود الحفاظ على الموارد

وللتصدي لهذا الوضع خصصت وزارة الفلاحة مبلغا قدره 100 مليون دينار تونسي خلال سنة 2024 بهدف دعم الفلاحين وتحفيزهم على اعتماد تقنيات ري أكثر نجاعة مثل الري بالتنقيط الذي يمكن أن يقلص من استهلاك المياه بنسبة 30 بالمائة كما تتواصل الاستثمارات في مشاريع لتحسين تقنيات الري ودراسة الحاجيات الحقيقية من المياه لكل صنف زراعي

ومع تعاظم آثار التغيرات المناخية وتراجع كميات الأمطار السنوية بنسبة تقارب 15 بالمائة منذ بداية الألفية الجديدة باتت التحديات أكثر تعقيدا مما يدفع الدولة إلى تبني حلول مبتكرة مثل تشجيع زراعة الأصناف المقاومة للجفاف وتحسين أنظمة التخزين والمراقبة المائية وتحفيز الفلاحين على تبني ممارسات أكثر استدامة في استهلاك المياه وتحسين الإنتاجية

وتواصل تونس جهودها من أجل ضمان استدامة المياه في القطاع الفلاحي عبر تنسيق فعال بين مختلف الأطراف المتدخلة من القطاع العمومي والفلاحين والمجتمع المدني لضمان تلبية حاجيات الفلاحة والحفاظ على هذا القطاع الاستراتيجي في المستقبل

Scroll to Top